صفوان القدسي
(1)
أختزل وأقول إنه جرى ضرب الجمهورية العربية المتحدة التي هي دولة الوحدة بين سورية ومصر، تحت شعارات رثة وزائفة وبائسة ومضللة، هي شعارات المطالبة بالحريات العامة والديمقراطية، فما الذي كان؟.
الذي كان على وجه التحديد والتعيين هو أننا، وقت أن وقع الانفصال، وانفصمت عرى الوحدة، خسرنا الوحدة ولم نكسب الديمقراطية.
ومن يمتلك ذاكرة سياسية نشطة، يستطيع أن يتذكر كيف أن الانفصال من خلال انتخابات ألبسها لباس الديمقراطية، أفرز مجلساً للنواب كان همه ودأبه العمل على التخلص من جميع إنجازات الوحدة، ومنها الإصلاح الزراعي الذي أعاد الأرض إلى العاملين فيها، ومنها أيضاً قرارات تموز الاشتراكية التي قطعت دابر رأس المال المستغل، واعتمدت سياسة الملْكية العامة لوسائل الإنتاج.
(2)
ما وقع بعد شهور ستة من الانفصال، هو أن الذين صنعوا الانفصال، وفي مواجهة غضبة شعبية عارمة، أعادوا الكرَّة مرة أخرى حين انقلبوا على مجلس النواب الذي اخترعوه وصنَّعوه، وأنهوا الحياة البرلمانية التي وصفوها بالديمقراطية، فكان ما كان مما وقع في 28 آذار 1962 من انقلاب على الانقلاب، من دون أن يتخلى الانقلابيون عن ثوابت الانفصال التي هي، بعد ضرب الوحدة، العمل على الاستمرار في سياسات انفصالية جعلت جمال عبد الناصر مشككاً وغير واثق من محاولات الانفصاليين التقرب منه، والإيحاء بأنهم مستعدون وجاهزون لتحقيق الوحدة مرة أخرى.
(3)
وحين نصغي إلى الشعارات التي تجأر بها حناجر الذين ارتضوا لأنفسهم بأن يكونوا مجرد أدوات يستخدمها المخططون الحقيقيون لهذه المؤامرة، والداعمون لها، مالاً وعتاداً وحرباً إعلامية إلكترونية غير مسبوقة… أقول إننا حين نصغي إلى تلك الشعارات، فإننا سرعان ما نستذكر ما كان قبل الانفصال من شعارات لا يدرك مرددوها معانيها، فكان ما كان من أننا خسرنا الوحدة ولم نكسب الديمقراطية.
إنها حقبة جمال عبد الناصر التي يعاد إنتاجها مرة أخرى.
الأعداء ذاتهم، والخصوم أنفسهم، والشعارات لم تتبدل ولم تتغير. حتى إن بعض الوسائل والأساليب ما زال كما كان.
وفي مواجهة ذلك كله، يقف الرئيس بشار الأسد، واثقاً، ثابتاً، غير خائف ولا هيَّاب.
صحيح أنه قال لنا إن القلق موجود، لكنه مشروع. أما الجزع والهلع فلا وجود لهما في حياتنا.
تبَّاً للذين أخذتهم العزة بالإثم وسُحقاً لهم.