صفوان القدسي
(1)
الحرب النفسية ليست طلقة تندفع من فوهة مدفع، ولا هي طائرة تنقض على هذا الموقع أو ذاك، وإنما هي قصف سياسي من الوزن الثقيل.
والحرب النفسية ليست شكلا واحدا لا يتغير ولا يتبدل، وإنما هي أشكال متعددة تتراوح بين إشاعة يطلقها هذا الطابور الخامس أو ذاك، وبين عملية غسل دماغ جماعي يراد منها إعادة تركيب كيمياء العقل بحيث يغدو هذا العقل أكثر طواعية واشد استعدادا لقبول ما لا يمكن قبوله.
وفي كثير من الأحيان، فإن الحرب النفسية لا تعدو أن تكون مجرد مقدمة يمهد بها العدو الخارجي، والعدو الداخلي أيضا، للحرب الأخرى، وأعني بها الحرب المدججة بالسلاح من رأسها حتى أخمص قدميها.
هذه الحرب النفسية كثيرا ما تكون مدخلا إلى الحرب المسلحة. وحين يشرع العدو في عملية القصف النفسي، فإن ذلك كثيرا ما يكون تمهيدا للقصف العسكري.
(2)
وفي كل مرة أمعن فيها النظر جيدا في مسألة الحرب النفسية، فإن ذاكرتي سرعان ما تستعيد تلك الواقعة، وهي أن جمال عبد الناصر واجه في يوم من الأيام شيئا من هذا القبيل.
وما زلت أذكر كيف أن حرب السويس المجيدة لم تكن إلا قصفا عسكريا دخل فجأة في ساحة القصف النفسي، ثم قام ذلك بإخلاء الساحة مرة أخرى ليعود القصف النفسي كأشد ما يكون القصف. وبهذا المعنى، فإن حرب السويس كانت حربا بين حربين.
وحين أخفقت هذه الحرب المدججة بالسلاح في الوصول إلى أغراضها، فإن الحرب النفسية استعادت أنفاسها لتجني ما لم تفلح الحرب المدججة بالسلاح في جنيه.
(3)
وكان هناك شيء اسمه التجويف النفسي.
وكان هذا التجويف النفسي يقوم على اقتلاع الإنسان من داخله. وحين يقتلع الإنسان من داخله، فإنه يغدو إنسانا هشا وقابلا للكسر.
وكان واضحا أن عملية التجويف هذه إنما تحاول أن تنال من كل القيم الشريفة والنبيلة التي تواضعنا عليها في حياتنا بحيث لا يبقى لنا ما يستحق أن ندفع حياتنا ثمنا للدفاع عنه.
(4)
وحين يمضي الواحد منا إلى إمعان النظر جيدا في بعض هذا الذي يجري بيننا ومن حولنا، فإنه سرعان ما يقع على الحقيقة الآتية، وهي أن العدو الذي يريد أن ينال من إرادتنا، إنما يسعى إلى فعل ذلك عن طريق النيل من جبهتنا الداخلية.
ما الذي يفعله العدو للوصول إلى هذا الهدف؟.
إنه يستنجد بكل ما لديه من أسلحة في ترسانة الحرب النفسية. بل إنه يفتح هذه الترسانة على مصراعيها ليجرب فينا هذا السلاح أو ذاك, لعله يفلح في أن يفعل فعله.