بحضور الأستاذة الدكتورة بارعة القدسي الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي- عضو القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية وبمشاركة رسمية وحزبية وشعبية وأدبية رفيعة وجمهور كبير، أقام فرع دمشق لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي فعالية رسمية بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لرحيل المفكر العربي الكبير صفوان القدسي الأمين العام للحزب وذلك في مكتبة الأسد بدمشق.
بدأ الاحتفال بالوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء سورية وفلسطين والأمة وعلى روح القائد الخالد حافظ الأسد والراحل الكبير صفوان القدسي تلاه النشيد الرسمي للجمهورية العربية السورية، وبعد تلاوة آيات من الذكر الحكيم جرى عرض فيلم وثائقي قصير تناول بالصوت والصورة أبرز مواقف الراحل الكبير في محطات عدة، ثم ألقيت كلمات بهذه المناسبة لكل من الأخت صفاء سراقبي أمين فرع دمشق للحزب، والأخت ثناء فخر الدين أمين فرع حلب للحزب، وكلمة اتحاد الكتاب العرب ألقاها عضو المكتب التنفيذي رياض طبرة، وكلمة المؤتمر العام للأحزاب العربية ألقاها الأخ عبدالله منيني أمين سر الأمانة العامة للأحزاب العربية، وكلمة حزب البعث العربي الاشتراكي ألقاها الرفيق محمد حسام السمان رئيس فرع الجبهة الوطنية التقدمية بدمشق. واستعرضت الكلمات مناقب الراحل الكبير ومآثره الشخصية والوطنية والقومية، وأشادت بمواقفه التاريخية على الساحتين القطرية والعربية، وأشارت الكلمات إلى محطات هامة تعبر عن مكانة المفكر العروبية ودوره في إرساء مبادئ النهج الوطني العربي وتعزيزه في القلوب ووفاءه لأفكار ومنطلقات القائدين العظيمين حافظ الأسد وجمال عبد الناصر في تعزيز القومية العربية والوحدة الشاملة التي تصب في خدمة الشعوب المناضلة نحو النصر والتحرير.
وحيّت الكلمات القيادة الحكيمة للسيد الرئيس بشار الأسد وتضحيات الجيش العربي السوري، كما وجهت التحية إلى المقاومين في فلسطين.
حضر الحفل الأمناء العامون لأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية وأمين فرع حزب البعث العربي الاشتراكي بدمشق، ومحافظ دمشق، وأمين سر الجبهة الوطنية التقدمية، وأمين سر مؤتمر الأحزاب العربية، ورؤساء أحزاب وطنية، وعدد من أعضاء قيادة فرع دمشق للجبهة الوطنية التقدمية، ومدير عام مؤسسة القدس الدولية، ورئيس اللجنة الشعبية العربية السورية لدعم الشعب الفلسطيني ومقاومة المشروع الصهيوني، ومدير عام مكتبة الأسد الوطنية، وعدد من الشخصيات الأدبية والفكرية والسياسية والإعلامية.
واختتم الحفل بنشيد حزب الاتحاد الاشتراكي العربي.
—–
كلمة الدكتورة صفاء سراقبي
أمين فرع دمشق
السادة الضيوف ، السادة الحضور ، أيتها الأخوات أيها الأخوة
وأنا اليوم في حضرة الذّكرى السّنويّةِ الأولى للمرحومِ الأستاذ صفوانُ القدسيّ. لن أتحدّثْ عنِ الأمينِ العامِ التّاريخيِّ للاتّحادِ الاشتراكيِّ العربيِّ فحسب. ولن أتحدّثْ عن المفكّرِ العربي السّياسيِّ الكبيرِ فقط، بل أتحدّثْ اليوم عنْ صفوانَ القدسيِّ الإنسانْ. ذلك الجانب المهم الذي تميز به راحلنا الكبير الذي كان محبًا ودوداً متواضعاً منفتحاً على كلِّ الدنيا و كلِّ الناسْ، حتّى من كان يختلفُ معهمْ في العقيدةِ السّياسيّة. كانَ متفهماَ متواضعًا يبتسمُ للصّغيرِ قبلَ الكبير.ِ لأنه كانَ مدرسةً حقيقةً في هذه الحياة. وهذا ما يكون عليه الكبار، لا يتعالون. كانَ إذا جلسَ معهُ أيْ شخصٍ مهما كانتْ سويّتهُ الاجتماعيّةُ يشعرُ في حضرتهِ أنهِ كبير. لمْ يٌعرفْ عنهُ إساءةٌ لأحد. أو أنّهَ تفوّهَ بكلمةٍ قاسيةٍ في وجهٍ احد.
في هذهِ الذّكرى لابدَّ لنا أن نستحضرَ ما حقّقهُ فقيدنا في حزبِ الاتّحادِ الاشتراكيِّ العربيِّ منْ حضورِ لافتٍ ومؤثّرٍ في ساحةِ العملِ الحزبيِّ والسّياسيِّ على المستويينِ الوطنيِّ والقوميِّ حيثُ كانَ لهُ مساهماتٌ عديدةٌ في تاريخِ سوريّة ونهضتها منذُ قيامِ الحركةِ التّصحيحيّةِ المجيّدةِ الّتي قادها القائدُ الخالدُ حافظُ الأسد مؤسس الجبهةِ الوطنيّةِ التّقدّميّة، وصولًاً إلى عهدِ السّيّدِ الرّئيسِ بشّارٍ الأسد.ْ لقدِ أصابت رؤيتهِ وعمق انتمائهِ وأصالته الوطنيّةِ وما يتمتّعُ بهِ منْ خبرةٍ سياسيّةٍ وحضورٍ فكريٍّ وثقافي متميّز، وساهمْ في تعزيزِ دورِ الحزبِ وتطويرِ رؤيتهِ الفكريّةِ، كما تبنى الحزب،ُ ميثاقُ العملِ الوطنيِّ وثوابتِ التّجربةِ النّاصريّةِ الّتي صاغها القائدُ المعلّمُ جمالُ عبدِ النّاصر، والالتزامُ بالمدرسةِ الفكريّةِ والسّياسيّةُ للقائدِ الخالدِ حافظُ الأسد،ِ في ظلِّ مسيرةِ السّيّدِ الرّئيسِ بشارٍ الأسد،ِ كما آمنَ بالتّعدّديّةِ الحزبيّةِ والسّياسيّةِ في إطارِ الجبهةِ الوطنيّةِ التّقدميّة.
وها نحن اليوم نستكمل مسيرته الوطنية بقيادة الأمين العام أ. د. بارعة القدسي منتهجين نهجه ومستلهمين تجربته الرائدة، وسائرون على الطريق الذي خطه لحزبنا،مؤمنين بفكره وبرسالته مخلصين لأهدافه.
رحمكَ اللّهُ يا فقيّدنا الغالي.َ
سنبقى نفتقدكَ مهما طالتْ السّنون.
وستبقى لنا نبراسًا في عملنا الحزبي.ُ وفي حياتنا العامّة.
وعلى الطّريقِ والنّهجٍ نحنُ في حزبِ الاتّحادِ الاشتراكيِّ العربيِّ سائرونَ.
———–
كلمة الرفيق حسام السمان- رئيس فرع الجبهة الوطنية التقدمية بدمشق
في الذكرى السنوية الأولى لرحيل الأستاذ صفوان القدسي
الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي
مكتبة الأسد 26/10/2023
أيها الرفاق أيتها الرفيقات .. السيدات والسادة الحضور:
نلتقي اليوم في هذه المناسبة المؤثرة التي تجتاح قلوبنا بأحاسيس مختلفة فقد تكون حزينة لفراق أحبائنا ورفاقنا، ولكنها في الوقت ذاته فرصة لنتذكر انجازاتهم وإرثهم الذي تركوه خلفهم.
اليوم نلتقي لإحياء الذكري السنوية الأولى لرحيل المفكر العروبي الأستاذ (صفوان القدسي)، هذه الشخصية المؤثرة والتي كان لها دور كبير في خدمة قضايا الأمة العربية.
وقد عرف بهدوئه وابتسامته التي لم تكن تفارقه, وكان يتمتع بأخلاق عالية وحسن تصرف فكان محبوباً من قبل أصدقائه ورفاق دربه.
كما وكان له دور كبير في ميدان العلم والثقافة والأدب والإعلام والفكر القومي وتميز بعمله الدؤوب والجاد وحنكته في اتخاذ القرارات.
لقد كان الراحل قامة قومية عربية غنية بالمعرفة والثقافة استندت إلى المواقف الثابتة والمبدئية وفي مقدمتها الوحدة القومية وخيار المقاومة ومناهضة التطبيع وتحرير كامل الأرض العربية.
وهو شخصية استثنائية من خلال دوره في الدفاع عن الهوية والثقافة العربية, حيث أسهم بشكل كبير في تطوير فهمنا للتاريخ والثقافة العربية وعمل جاهداً على تحقيق التقدم والعدالة الاجتماعية والديمقراطية في مجتمعاتنا العربية.
كما أنه ناضل من أجل انتصار القضية القومية العربية ووحدة الوطن العربي وفق مبادئ حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الذي قاده على مدى أربعة عقود.
وقد عمل على إغناء الجبهة الوطنية التقدمية بفكره السياسي والتنظيمي من خلال ميثاقها وأنشطتها, كما امتدت مشاركاته لتشمل مؤتمرات الأحزاب القومية على مستوى الوطن العربي وقيادتها.
فالمناضل الراحل كان ملتزماً بفكر الأمة العربية وقضاياها العادلة وكان عربياً صادقاً مخلصاً متشبثاً بتحقيق الوحدة العربية على طريق النهوض والتحرر، حيث سطّر صفحات ناصعة من عمر الوطن , فأضحى فارساً ترجل تاركاً بصمات لا تنسى, أصبحت ذاكرةً حاضرةً بتاريخ الوطن وإرثاً نضالياً وثقافياً سيرافقنا دائماً وسيبقى محفوراً في قلوبنا.
وأخيراً أتقدم باسم رفاقي في قيادة فرع الجبهة الوطنية التقدمية بدمشق، وباسم رفاقي ورفيقاتي كوادر فرع دمشق لحزب البعث العربي الاشتراكي، بأصدق المشاعر والمواساة للسيدة الدكتورة (بارعة القدسي) الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي، وعضو القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية، وللأسرة الكريمة، ونشاطرهم الحزن بخسارة هذه القامة الفكرية العروبية, الذي قضى حياته مناضلاً قومياً في سبيل قضايا العروبة وقضية فلسطين مدافعاً عن مصالح أمتنا وعزتها وكرامتها.
متمنياً لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي وكوادره دوام العطاء والنضال على خطى القائد الراحل
والخلود لرسالتنا
————————-
كلمة الأستاذة ثناء فخر الدين
أمين فرع حلب
باسم الأمة.. باسم العروبة
عندما يرحل العظماء تحزن الأرض وتنطفئ منارة كانت ترسل إشعاعات نورها في ربوع العالمين. عندما يرحل العظماء تنفطر لذهابهم قلوبنا وتدمع أعيننا حزناً وألما.
لا نرثي اليوم رجلاً عادياً أو شخصاً عابراً، نرثي رجلاً كانت بوصلته تشير دائماً إلى اتجاهات العروبة والقومية والوطنية.
المفكر القومي العروبي صفوان القدسي، أحد هؤلاء العظماء الذين أنجبتهم هذه الأمة، ووهبتهم شمائل، وخصتهم بقدرات وطاقات متميزة ارتقت بهم إلى قمة المجد، وذرى العمل والتضحية والعطاء.
رجل ليس ككل الرجال، فما تركه الرجل الفذُ بين دفتي كتاب حياته يأتي في المرتبة الأسمى التي لا تجاوره فيها إلا نفر قليل من مفكري هذه الأمة بالغي التفرد والتميز والإبداع.
لقد مثَّل مدرسة فكرية في الناصرية متكاملة الأبعاد والزوايا، وأخرجها من متاحف التاريخ وخلع عنها الكهنوت الفكري، وأوجد موسوعة سياسية وفكرية شاملة، طبعت بصماتها المؤثرة في كل مكان، وتركت آثارها في حياتنا الفكرية والسياسية والتنظيمية.
تجربته واجهت مصاعبٌ وعقباتٌ لا حصر لها، وسنواتٌ من مقاومة البغي الفكري والحزبي، ومحاولات وأد الأفكار، إلى أن قوض له إعادة رسم خريطة حزبنا الفكرية والسياسية.
سأسميه أخاً وأباً ومعلماً لا يتكرر، وسيكون في حياتنا كما أراد أن يكون، باقياً في وجداننا من خلال خطواته التي خطاها والتي اتسمت بالجرأة. لم ينكسر قلمه وهو يكتب أبجديات الوطن ويؤرخ للأيام، ونبضات قلبه تقفز على أسوار الوطن.
من الصعب رثاء قامة كبرى كقامة الرجل الذي أفنى حياته في سبيل ترسيخ مفاهيم كانت عصية على أن يتقبلها الفكر الجمعي العروبي والقومي عبر مسيرة حياته وتاريخه الحافل الذي لم يعرف معنى التردد والتراجع.
كانت اللغة سلاحه، منطلقة من فوهة الفكر لتستقر في المكان المناسب في العقل والقلب معاً، كان يضرم النار في عقولنا بدون أعواد ثقاب، وما أكثر ما فعلها.
صفوان القدسي الرجل الذي لم يستطع أن يكون موضوعياً أو محايداً عندما يكون الأمر متعلقاً بوجودنا القومي، إنما كان دائماً مقاتلاً شرساً دفاعاً عن قوميته وعروبته، ممتلكاً قلباً شجاعاً وحماسة منقطعة النظير.
رحل وغاب عن مشهد الحياة، لكن فكره المبعوث فينا مازال متأججاً يحمل الرؤية ويقود المسير، سنظل رافعين لأعلامنا مرددين لنشيد حزبنا خلف الأخت الأمين العام الأستاذة الدكتورة بارعة القدسي، مخلصين لحزبنا.
لهذا نعلن أن حزننا جللٌ وكبيرٌ على فراقه، لكن البقاء لله ولا نقول إلا ما يرضي الله (إنا لله وإنا إليه راجعون).
السلام والرحمة لروحه الطاهرة، والسلام والرحمة لأرواح شهداء الكلية الحربية، والسلام والرحمة لأرواح شهداء الجيش العربي السوري، والسلام والرحمة لأرواح شهداء المقاومة الفلسطينية، والشفاء العاجل للجرحى.
تحية الحب والاحترام للدكتورة بارعة القدسي.
تحية المحبة والعروبة لسيد الوطن للسيد الرئيس بشار الأسد.
————————————-
كلمة الأستاذ رياض طبرة
عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب
الأخت الدكتورة بارعة القدسي
الرفاق الأمناء العامون
الرفاق والسادة رئيس فرع الجبهة الوطنية التقدمية بدمشق حسام السمان
السيد محافظ دمشق طارق كريشاتي
السادة الضيوف
في الذكرى السنوية الأولى لرحيل المفكر القومي العروبي صفوان القدسي
اسمحوا لي أن أقول للراحل الكبير صفوان القدسي, وأنا أردد مع المتنبي:
ما كنت أحسب قبل دفنك في الثرى أن الكواكب في التراب تغور
لقد عزً علي كثيراً أن أقف اليوم مودعاً ومستذكراً الكثير الكثير من واقفك النبيلة التي أصبحت عطر ذاكرتي .
أيتها الأخوات والأخوة:
تعرفت إلى الراحل الكبير وكان وزيراً، بحكم عملي كصحفي في تشرين, وبعد غياب في الظلمات لخمسة عشر عاماً, زرته وكنت متردداً, والسؤال يحيرني: هل يستقبلني؟ ثم كيف يكون الاستقبال؟.
لقد غمرني حقاً بأطيب ما يكون الاستقبال، وهو العابق بكل مراتب اللطف والأناقة واحترام الآخر.
أهداني كتبه, وهي في الفكر القومي, ثم كان أن التقينا عن قرب لعشرين عاماً في الجبهة الوطنية التقدمية الإنجاز الأهم والأبرز للرئيس الراحل حافظ الأسد.
وكان الأستاذ صفوان من بين الأيادي الطيبة التي قدمت لي الكثير ولن أنساها: المهندس غسان عبد العزيز عثمان الأمين العام لحزبنا حزب العهد الوطني, والأخ الكبير الدكتور صابر فلحوط.
ولن أنسى موقفه ومتابعته اليومية والدقيقة لانتخابات اتحاد الكتاب العرب, وهو من هو في عمر وإنجازات اتحادنا العتيد.
لقد وجهت سهام ظالمة للراحل صفوان القدسي وكان سؤالي دائما لماذا وهو الدمث الخلوق المحترم؟.
لقد كان الفكر القومي الذي حمله ودعا إليه الراحل هو المستهدف، لقد تبين لهم خطر الاتجاه القومي العروبي وتوحيد فصائله الناصرية والبعث على كل المخططات التي تكشفت لاحقاً لصالح الفكر الظلامي وموظفيه.
لقد كان المفكر القومي العروبي الذي أخلص الإخلاص كله لمبادئه, وعمل على توحيد الجهود والمواقف وتحمل الكثير الكثير من الأصدقاء قبل غيرهم …
ستظل يا أبا خالد في ذاكرة الأوفياء الأنقياء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
—————–
كلمة الأستاذ عبدالله منيني
أمين سر الأمانة العامة للأحزاب العربية
سنة على رحيلك قد مضت وما أثقلها من سنة، لكنها إرادة الله، قضت أن أكون في هذا المقام، كي أتحدث إليك، وهو حديث لا يقتضيه الموقف، ولا تفرضه المناسبة، بل هو حديث الروح للروح، حديث صدق لعل فيه بعض الوفاء لمن مهنته الوفاء.
أستاذي الكبير
منذ التقْينا قبل عقد من الزمن ونيف كنت شاباً صغيراً ينشد الحقيقة- تعارفت أرواحنا وأْتَلفَتْ رغم اختلاف مذاهبنا الحزبية، ومضينا في مسيرة شاقة مريرة، هي الطريق نحو وحدة الأمة وتحرير أرضها المغتصبة، لقد عّودتنا جميع من عرفناك فاعتدناك تُقيل عثرتنا، وتضمد جراحنا، وتخفف آلامنا، وتشُد أزرنا.. نلجأ إليك في كل شدة، فنحن لا نراك إلا أقوانا ولو كنت في ضعْف، وأغنانا ولو كنت في عُسْر.. فما رددت يوماً لأحدنا مطلبا، وما ترددت بنُصْح، وما أحجمْت عن موقف، وما ضننْت بعون حتى وإن كنت في حاجته.
أبا خالد كما كنت تحب آن تكنى..
أرجو أن تأذن لي بدخول جنّتك، فقد غرست فيها غراساً رويتها بنقاء فكرك، وصادق جهدك، بل وسنيّ عمرك، حتى أصبحت أشجاراً وارقة وارفة، تُؤْتي أُكلها ثمراً طيباً ينفعُ الناس كلّ حين، ويحكي سيرة حياتِك.
فمن مسقط الرأس بدمشق، نروي سيرة ثرة حافلة بالإنجازات في كل المجالات: سواء في الصحافة والإعلام والفلسفة، أم في الثقافة والفكر والأدب والبحث والتأليف والنشر، عرفناك قائداً سياسياً ناصرياً أميناً عاماً لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي، ورمزاً وطنياً، قد تنكب دوراً جبهوياً متميزاً في القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية مكرساً ثقافتها بكل حماس. رمزاً في ساحات العمل القومي العربي المشترك/ مؤسساً وعضواً في الأمانة العامة ورئيساً للمؤتمر العام للأحزاب العربية، وقطباً عروبياً جاذباً بحكمةٍ رصينة، تلتقي عليك وعندك التياراتُ السياسية والحزبية والفكرية العربية على تباينها، وما هذا إلا غيضٌ من فيض عطائك.
وفي كل تلك المحطات والمجالات- كنت يا أبا خالد- قائداً فذاً ومعلماً مهيباً وفارساً مجلياً، سلاحك الإيمان الراسخ، والذكاء المتقد، والحضور الرزين، والرأيُ السديد، والرؤيا الجليّة، والحنكة الثاقبة، والثقافة الواسعة، والإيثار على النفس، والتفاني في الواجب، والزهدُ في العيش، وسخاء العاشق لسورية ، والصدق في القول والعمل، لذا، هفت القلوب إليك، وعزفت لحن خلودك!
أستاذي الحاضر دوماً.
لقد أكملت الرسالة، وأديت الأمانة، فما وهنت إرادتك، ولا ضعُفت عزيمتك، ولا نال منك صرف الدهر، ولا شعاع الأمل خبا، وظلت فلسطين هي البوصلة- وطناً وشعباً وقضية- فما حِدْت عنها، ولا هي غابت عن ناظريك وعقلك وقلبك، ومضيت معها صادق الوعد وفياً للعهد، أميناً على الحقوق، مؤمناً بعبقرية شعبنا في فلسطين، مطمئناً لأصالته، فخوراً بمقاومته، بارعاً في التمييز بين حقيقة الاستراتيجية ودور التكتيك، قادراً على الفصل بين مساحات الاختلاف وحدود الخلاف، معتصماً بالعمق العربي رديفاً وسنداً وشريكاً، واثقاً بقدرة الأمة على حفظ حقوقها وصون مقدراتها، وعلى حماية أمنها القومي، وفي رأس صفحته الأولى القرار العربي المستقل، رغم ما يواجهه من تحديات !. وفي كل الظروف، ظللت قابضاً على جمر المبادئ والثوابت، مبشراً بحتمية النصر، وهاهو شعبنا في فلسطين يناديك اليوم وهو يسطر ملاحم البطولة التي راهنت عليها واعداً إيانا أن نلتقي في فلسطين والجولان.
أبا خالد.. وتسألني عن سورية ؟!!.
فيمَ أجيب، وأنت الوفي لنهج القائد الخالد حافظ الأسد والوفي لنهج القائد القومي المقاوم بشار الأسد، الذي قاد شعبه نحو النصر المبين الذي لا مفر منه إلا إليه.
وأنت من سبر غور الواقع، فأدركت حقيقة المؤامرة على سورية منذ اللحظة الأولى، وأعلنت موقفك وحزبكم العتيد خلف قائدنا وجيشنا والى جانب شعبنا، في مواجهة ما يدبر لها وما يُحاك لتمزيقها أرضاً، وتفتيتها شعباً، وإضاعة دمها بين”دول القبائل” !.
نعم بم أجيب، غير أن أذكر بما قاله الزعيم الخالد جمال عبد الناصر بحكمةٍ استراتيجية- رغم آلام الحدث الجلل، وجرحه الغائر في القلوب- يوم انفصال الوحدة المصرية السورية عام 1961، قال : “ليس المهم أن تبقى سورية جزءاً من الجمهورية العربية المتحدة، ولكن المهم أن تبقى سورية!” ونحن اليوم، وكلُّ جماهير الأمة نردد: لبيك سورية.. وستبقى سورية، من أجل حاضر الأمن القومي العربي ومستقبله،من أجل فلسطين حرة أبية، من أجل الجولان الساكن في قلوبنا. بل ولذلك وأكثر، يجب أن تبقى سورية دولةً عربية موحدةً أرضاً وشعباً وأركاناً ومؤسسات.. ومهما بلغت التضحيات !. فتحية إلى سورية قيادة وجيشاً وشعباً تحية إلى أمينها المؤتمن القائد القومي المقاوم الكبير بشار الأسد، وجيشها الباسل وشعبها الجبار.
عزاؤنا اليوم في غيابك أن حزب الاتحاد الاشتراكي العربي استمر سائراً على الدرب الذي رسمته له حزباً وطنياً جبهوياً قومياً مقاوم استطاع بتكاتفه وتعاضده التمسك أكثر وأكثر بالمبادئ التي ارتضيتموها لأنفسكم، وبالقناعات التي لم تتشكل إلا بفعل قراءتكم الصحيحة للناصرية، وبفعل اجتهادكم المناسب في مدرسة حافظ الأسد الفكرية والسياسية، واستكمالاً في مدرسة بشار الأسد.
عزاؤنا بزملاء النضال في الجبهة الوطنية التقدمية الذين يستكملون المسيرة بعزيمة صادقة وإخلاص وطني عظيم
عزاؤنا في السيدة الفاضلة د. بارعة القدسي شريكة النضال، الوفية القوية من حملت الأمانة بقوة واقتدار وهمة ووفاء، تقود حزب الاتحاد الاشتراكي العربي مستنهضة قواه مستلهمة دروسك وتعاليمك.
وعزاؤنا الأكبر أنك حاضرٌ فينا، تسكن العقل والقلب والوجدان نبراساً لإرادة الحياة وعشق الأرض.
حسبك أنك عشت لسورية لفلسطين وللأمة العربية وناضلت من أجلها، وقضيت في سبيلها.
ورجعت إلى ربك مطمئن النفس راضياً مرضيا..
لقد رحلت جسداً عن قيد الحياة.. لكنك باقٍ روحاً على قيد الوطن.. نم يا أبا خالد نوم العظماء، واطمئن بأن شعلة الوطنية سيحملها تلاميذك الكثيرون من بعدك ولن تنطفئ أبداً.
فطوبى لك…