الميثاق
الباب الأول
لقد عبر الشعب العربي المصري مراحل التطور بحيوية وشباب، مجتازاً المسافة الشاسعة من رواسب مجتمع إقطاعي بدأ فيه عصر الرأسمالية إلى المرحلة التي بدأ فيها التحول الاشتراكي بدون إراقة دماء. إن هذه الصور من الثورة الشاملة تكاد في الواقع أن تكون سلسلة من الثورات. وفي المنطق التقليدي حتى لحركات ذات طابع ثوري سبقت في التاريخ، فإن هذه الثورات كان لا بد لها أن تتم في مرحلة مستقلة يستجمع الجهد الوطني قواه بعد كل مرحلة منها ليواجه المرحلة التالية. لكن العمل العظيم الذي تمكن الشعب العربي المصري من إنجازه بالثورة الشاملة ذات الاتجاهات المتعددة يصنع، حتى بمقاييس الثورات العالمية، تجربة ثورية جديدة. إن هذا العمل العظيم تحقق بفضل ضمانات تمكن النضال الشعبي من توفيرها.
أولاً – إرادة تغيير ثوري ترفض أي قيد أو حد لحقوق الجماهير ومطالبها.
ثانياً – طليعة ثورية مكنتها إرادة التغيير الثوري من سلطة الدولة لتحويلها من خدمة المصالح القائمة إلى خدمة المصالح صاحبة الحق الطبيعي والشرعي وهي مصالح الجماهير.
ثالثاً – وعي عميق بالتاريخ وأثره على الإنسان المعاصر، من ناحية، ومن ناحية أخرى لقدرة هذا الإنسان بدوره على التأثير في التاريخ.
رابعاً – فكر مفتوح لكل التجارب الإنسانية، يأخذ منها ويعطيها، لا يصدها عنه بالتعصب ولا يصد نفسه عنها بالعقد.
خامساً – إيمان لا يتزعزع بالله وبرسله ورسالاته القدسية التي بعثها بالحق والهدى إلى الإنسانية في كل زمان ومكان.
وان أعظم تقدير لنضال الشعب العربي في مصر ولتجربته الرائدة هو الدور الذي استطاع أن يؤثر به في حياة أمته العربية وخارج حدود وطنه الصغير إلى آفاق وطنه الأكبر. إن تجربة الشعب العربي المصري أحدثت أصداء بعيدة المدى في نضال أمته العربية. إن ثورة الشعب العربي المصري حركت احتمالات الثورة في الأرض العربية كلها وليس من شك أن هذه الحركة أحد الدوافع القوية التي مكنت من النجاح الثوري في مصر. إن الأصداء القوية – التي أحدثتها ثورة الشعب العربي المصري في الأفق العربي كله – عادت إليه مرة أخرى على شكل قوة محركة تدفع نشاطه وتمنحه شباباً متجدداً. إن ذلك التفاعل المتبادل يؤكد – في حد ذاته – وحدة شعوب الأمة العربية. وإذا كانت التجربة الثورية الشاملة قد ألقت مسؤوليتها الأولى على الشعب العربي في مصر، فإن تجاوب بقية شعوب الأمة العربية مع التجربة كان من الأسباب القوية التي مكنت الشعب المصري أن ينتصر. وليس من شك أن الشعب المصري مطالب اليوم بأن يجعل انتصاره في خدمة قضية الثورة الشاملة في بقية شعوب أمته العربية. إن أصداء النصر الذي حققه الشعب العربي في مصر لم تقتصر على آفاق المنطقة العربية وإنما كانت للتجربة الجديدة الرائدة آثارها البعيدة على حركة التحرير في أفريقيا وفي آسيا وفي أمريكا اللاتينية. إن معركة السويس التي كانت احد الأدوار البارزة في التجربة الثورية المصرية لم تكن لحظة اكتشف فيها الشعب المصري نفسه، أو اكتشفت فيها الأمة العربية إمكانياتها فقط، وإنما كانت هذه اللحظة عالمية الأثر رأت فيها كل الشعوب المغلوبة على أمرها أن في نفسها طاقات كامنة لا حدود لها، وأنها تقدر على الثورة… بل إن الثورة هي طريقها الوحيد.