د. بارعة القدسي
(1)
من دون أن أغفل أو أتغافل عن مراعاة الظروف المتغيرة والمناخات المتبدلة، فإني أمتلك القدرة على عقد مقارنات موضوعية، ليس فيها إلا القدر اليسير من العواطف الشخصية التي لا أستطيع إنكارها، بين ما كان في حقبة جمال عبد الناصر، وبين ما هو كائن في حقبة الرئيس بشار الأسد.
(2)
من منا لا يذكر أو يتذكر حجم المؤامرات المتعاقبة التي واجهها جمال عبد الناصر، وانتصر في الكثرة الكاثرة منها، وانكسر في القلة القليلة.
ألم يطلق الإخوان المسلمون نيران مسدساتهم في اتجاه جمال عبد الناصر، فيما كان يلقي خطاباً في جمع حاشد من المواطنين، ذات يوم من أيام عام 1954؟.
ألم تتكرر المحاولة، وإن اختلفت الوسائل وتبدلي الأساليب، حين وضعوا لأنفسهم خططاً، ورسموا مخططات، لاغتيال جمال عبد الناصر فيما كان مجتمعاً مع مجلس وزرائه عام 1965؟.
أما خاض جمال عبد الناصر عام 1956 حرباً شنتها عليه دول ثلاث يعرف الجميع أسماءها، بغرض إسقاط نظامه بعد قتله والتخلص منه، وبهدف كسر إرادة مصر بإعادة احتلالها واستلاب قناتها ووضع حد لسياساتها التي تتعارض مع مصالح هذه الدول الثلاث واستراتيجياتها، على اختلاف هذه المصالح وتباين تلك الاستراتيجيات؟.
أما تكالبت عليه دول عربية وإقليمية ودولية وأفلحت في تفكيك الوحدة بين سورية ومصر التي قال بن غوريون في وصفها لحظة قيامها، إنها أطبقت على إسرائيل بفكي كماشة ووضعتها داخل كسارة البندق؟.
أما.. وأما.. وأما.. وكلها أمثلة صارخة في تعبيرها عن جهود محمومة جرى بذلها للتخلص من جمال عبد الناصر، والمزيد من هذه الأمثلة وفير وكثير.
لكن المهم في الأمر هو أن هذه الجهود المحمومة مجتمعة، لم تفلح في تحقيق مقاصدها، وبقي جمال عبد الناصر إلى أن وافته المنيَّة في أجَلِه المحتوم.
(3)
أقول ذلك وصولاً إلى استنتاج نابع من عقلي وقناعتي واقتناعي، ومفاد هذا الاستنتاج هو أن ما حاولوه مع الرئيس بشار الأسد سابقاً، وما يحاولونه الآن، وما سوف يحاولونه لاحقاً، محكوم عليه بالإخفاق الذريع، انطلاقاً من حقيقة يعرفها الجميع، هي أن سورية بموقعها الجغرافي وموضعها السياسي، وبشعبها القادر على المواجهة والمقتدر، وبرئيسها الذي يمتلك من الشجاعة العاقلة، والحكمة الجسورة، والقدرة المتميزة على إدارة الصراع بأعلى قدر من الكفاءة والاقتدار، سوف تجعل من ذلك كله، مجرد لحظة عابرة وطارئة ومؤقتة، إن لم أزد على ذلك فأستعيد ما يكرره في الكلام المكتوب أو المنطوق، أميننا العام الذي رحل باكراً صفوان القدسي، وهو أن هذا كله لا يعدو أن يكون لحظة هاربة من التاريخ.